الأربعاء، 19 مايو 2010

المجلس الدستوري: نبذة تــاريـخية مـــوجــزة

نبذة تــاريـخية مـــوجــزة


إن الرقابة الدستورية في الجزائر التي يقترن تاريخها بالتاريخ الدســتــوري الـــجزائــري، ظلــت تــتـطور بــشــكــل متـــقاطــع بحـيث بعد " إجهاض " إقرارها في أول دستور جزائري، واختفائها في ثاني دستور جــزائــري وتعديلاتــه المتتاليــه، ظــهرت مــن جديد في ثالث دستور جزائري، و يبدو أن وجودها قد ترسخ اليوم في الساحة السياسية والمؤسساتية للبلاد.
ما مصدر هذا النوع من الرقابة في الجزائر؟ وما نوعه ؟ وكيف تم تحديد تنظيم المؤسسة التي تتولى هذه الرقابة، و ما هي الصلاحيات المخولة إياها ؟
إن إستقراء التاريخ الدستوري في الجزائر يكشف أن تطور هذا النوع من الرقابة الدستورية، قد مرّ عبر أربع مراحل هي :
أول مــرحــلــة كانـت عام 1963، إذ نص أول دستور الجزائر المستقلة في مادتــه 63 عــلى إنشـــاء مجلس دستوري وأوكلــه بموجب مادته 64 صلاحية : " الفصل في دستورية القوانين والأوامر التشريعية بطلب من رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الوطني ".
غير أن هذه المؤسسة لم تنصب و لم يكتب لها بالتالي، أن مارست الصلاحيات الدستورية التي خولت بها آنذاك، نتيجة الظروف السياسية المعروفة التي قضت بعدم العمل بالدستور أقل من شهر بعد إصداره.
ثـــانــي مـرحـلــة هي عدم إقرار هيئة للرقابة الدستورية في دستور 1976 حتى وإن نصت مادته 186 على ما يلي : " تــمارس الأجهزة القيادية في الحزب والدولة، المراقبة السياسية المنوطة بها، وذلك طبقا للميثاق الوطني ولأحكام الدستور".
ثـــالــث مــرحلــة هي بروز فكرة الرقابة الدستورية من جديد في النقاشات السياسية بحيث أوصى المؤتمر الخامس لحزب جبهة التحرير الوطني بإنشاء جهاز أعلى تحت سلطة رئيس الجمهورية، الأمين العام للحزب، يكلف بالفصل في دستورية القوانين قصد ضمان إحترام سمو الدستور، وتدعيم مشروعية وسيادة القانون، وتعزيز الديمقراطية المسؤولة في بلادنا و دعمها. غير أن هذه التوصية لم تنقل الى الدستور وبالتالي بقيت دون تجسيد.

رابـــع مــرحــلــة تزامنت مع التعديل الدستوري الهام في 23 فبراير 1989 الذي نصّ، الى جانب تكريس التعددية الحزبية السياسية و الحريات العمومية و تبني مبدأ الفصل بين السلطات، على إنشاء مجلس دستوري يتمتع بصلاحيات أهم من تلك المخولة إياه بموجب دستور 1963، نذكرمنها على الخصوص رقابة دستورية المعاهدات و القوانين والتنظيمات و رقابة صحة الإستشارات السياسية الوطنية، بالإضافة الى صلاحيات إستشارية في بعض الظروف الخاصة.
إن إقرار الرقابة الدستورية من جديد يعد خطوة هامة في مسيرة بناء دولة القانون، وقد تعززت هذه الخطوة في ضوء التعديل الدستوري لـــ 28 نوفمبر 1996 الذي أقر توسيع صلاحيات المجلس الدستوري الى رقابة القوانين العضوية إجباريا قبل إصدارها و فتح مجال الإخطار أمام سلطة دستورية جديدة وهي رئيس مجلس الأمة.
والحقيقة أن هذا التطور الذي عرفته الجزائر في مجال الرقابة الدستورية سيساهم، دون شك، في تدعيم سيادة دولة القانون ويفتح المجال واسعا أمام مبادرات أخرى لتوسيع مجال هذه الرقابة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق